تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

جائحة كورونا ومسؤولية القيادات الدينية

محمد عبد الفضيل

لا شك أن ما يصيب المجتمع الإنساني من آفات أو أزمات وكوارث أو حتى مشكلات حياتية كلها توجب على المؤسسات على مستوياتها الرسمية وغير الرسمية، والحكومية والمدنية القيام بواجبات تمليها مسؤوليتها اتجاه المجتمع، بل إن مواجهة وباء "كورونا" الذي أصاب عددًا كبيرًا من دول العالم في أزمة غير مسبوقة تاريخيًا يحتم على الجميع اتخاذ اجراءات جديدة والقيام بواجبات استثنائية مستحدثة في التصدي لمرض لم تشهده البشرية من قبل.

وعندما نخص الحديث عن القيادات الدينية فإننا بصدد عدد من المهام الصعبة لا سيما وأن كثيرًا من المجتمعات يعول على الرباط الروحي والإفتائي والتعليمي والدعوي لهذه القيادات وبخاصة إذا كانت على رأس المؤسسات الدينية الرسمية، وفيما يلي محاولة لتلخيص هذه المهام:

أولًا: يتوجب على القيادات الدينية التأكيد على الرفض القاطع لتفسير هذا الوباء أو ربط أسبابه أو تعليلها دينيًا بأنه عقاب من الله للمخالف في الدين أو لغير المتدينين أو أنه على النقيض من ذلك ابتلاء منه واختبار للمؤمنين، وهنا  تكمن فرصة كبيرة في تجديد الخطاب الديني والمضي به قدمًا للأمام نحو صبغ الفتاوى الدينية بصبغة العقلانية التي افتقدتها المجتمعات المتدينة كثيرًا، نحو إصلاح البنية الدينية التحتية للوعي الجمعي الذي اعتاد بتأثير من خطابات دينية رجعية على ربط الكوارث العالمية بتصنيفات دينية وطائفية مسبقة، وذلك بأن تؤكد القيادات الدينية على أن الأمور ترتبط بمسبباتها العلمية الطبيعية التي لا تتدخل فيها انتمائية أو طائفية دينية.

 

ثانيًا: الدعم الكامل الذي يتوجب أن يقدمه الدين للعلم المتخصص هنا وهو الطب، وذلك عن طريق نشر الرسائل والنصوص الدينية التي تنادي بسؤال "أهل الذكر" من الناس، أي المتخصصين منهم، والنصوص التي توصي بالتداوي، والنصوص التي توصي بعزل النفس في حالة تفشى الأوبئة، وما إلى ذلك من النصوص الدينية التي تدفع الناس نحو الإيمان بالتخصصية والتوجه إلى الأطباء والإصغاء إليهم من ناحية، وكذلك البعد عن الخرافات والأساطير الدينية التي توهم الناس بأن الدين حائل بينهم وبين الإصابة بالمرض أو أنه فيه علاج للوباء المنتشر. يجب إذن على الخطاب الديني أن يقدم رسائل إيجابية من خلال التأكيد على أنه داعم لصحة الإنسان ولجميع السبل والأسباب التي تؤدي إلى الحفاظ عليها.

ثالثًا: وهي نقطة مبنية على سالفتها أشير فيها إلا وجوب تسخير جميع الإمكانيات والمنشئات والمؤسسات الدينية أو التي يعمل بها القادة الدينيين لأصحاب القرار المسؤول والمستند على المتخصصين من أهل العلم الطبي، فغلق المساجد والكنائس وتعليق الأنشطة وصلوات الجماعة في حالة انتشار الوباء أمر ربما مقدم على أمر إغلاق الأماكن الأخرى، فدور العبادة التي تمارس فيها شعائر الدين لا ينبغى أن تتقدم على مقصد حفظ النفس، بداعي التقرب إلى الله في جماعة أو بداعي أن الله سيحمى المصلين فيها من الإصابة، وما كان لشأن الله أن يكون هكذا وهو الذي  أمر بالأخذ بالأسباب وأباح أكل الميتة ولحم الخنزير في حالة المخمصة حفاظًا على النفس من الهلاك، بل أكد في جميع الديانات على أهمية العلم والأخذ به.

 

رابعًا: في حالة انتشار الأمراض والأوبئة التي تُلزم الناس مساكنهم يقع على عاتق القادة الدينيين (وهي فرصة ذهبية لإعادة الثقة مع المجتمع) مسؤولية مضاعفة نحو ملء الفراغ الروحي في حياة الناس، الذي سيطر عليه يومًا كثيرون من أصحاب الأفكار المتطرفة التي شوهت وعي الإنسان الديني، وأن يعملوا كذلك على إدخال الطمأنينة على قلوب الناس وتحذيرهم من نشر الشائعات والأكاذيب، والتهويل والتخويف وتوريع الآمنين، وهي أمور ثبتت الآن تأثيرها السلبي على جهاز المناعة الذي يعوًّل عليه كثيرًا لمواجهة هذا الوباء، بعد أن ظن الناس أن أثارها السلبية تؤثر على استقامة حياة الإنسان وجهدههم فحسب.

خامسًا: يجب على القادة الدينين – أفرادًا ومؤسسات – أن يجتهدوا في تقديم الدعم المادي و العيني للمصابين أيًا كانت انتماءاتهم الدينية أو الطائفية، وأن يتقدموا الصفوف التي سارعت في التبرع بالمال أو الجهد لشراء العلاج أو الأجهزة أو نقل المصابين، هذا لأن ما تتلقاه المؤسسات الدينية أو الروحية من تبرعات أو هبات يجب صرفها في خدمة الإنسان وليس الدين، ويجب أن يتقدم الإنسان كونه إنسانًا كهدف دومًا وأبدًا على خدمة المتدينيين ومنشآتهم، وذلك إعلاءً لنصوص دينية مقدسة أكدت على أن النفس البشرية "من أحياها فكأنما أحيى الناس جميعًا".