تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

دور القيادات الدينية في مواجهة الكوارث العالمية: وباء إيبولا وكورونا نموذجاً

Masroor Aswad

لا يوجد مجتمع إنساني في أيامنا هذه إلا ويعاني من آثار انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19) الذي أعلنته منظمة الصحة العالمية وباءً عالمياً، وسط دعوات من كافة المؤسسات المعنية للتعاون سوياً في محاولة لمحاصرة هذا المرض القاتل.

ولا شك أن للقيادات الدينية دورا مهماً في هذه المرحلة الحرجة من التاريخ البشري لما لهم من تأثيراً كبيراً على الأفراد والمجتمعات فهم محرك أساسي وتوعوي مهم لا يقل أهمية عن دور الأطباء وغيرهم من الفاعلين في هذه الأزمة العالمية.

مخطئٌ من يظن أن دور رجال الدين والقيادات الدينية في مجتمعاتهم متعلق فقط بالأمور الدينية والشعائرية وحسب، وهذا إهدار لرافد مهم من روافد التثقيف والتوجيه نحو خير البشرية وصلاحها على كافة المستويات.

ولعل هذه المهمة الجليلة لرجال الدين ليست بالأمر الجديد، بل كان هذا دأب الأنبياء والصالحين، فوظيفة الأنبياء والرسل ورجال الحكمة كانت هداية البشر إلى ما فيه صلاح أمورهم الدينية والدنيوية وأن يبنوا مجتمعات سوية متكاملة ومتعاونة قوية وصحيحة، لتحقيق الغاية العظمى من خلق الله لنا وهي عبادته وإعمار الأرض كوننا خلفاء الله في هذه الأرض، وخلافتنا في هذه الأرض تقتضي أن نتعاون جميعًا من أجل حماية هذا الكون من كافة المخاطر واستخدام موارده بحكمة والمحافظة على مكوناته.

إذاً فدور القادة الدينيين لا يقتصر على مجرد تعريف الناس بشعائر عباداتهم، بل أيضًا توعيتهم في كل ما من شأنه الحفاظ على البشر والكون بموارده على جميع المستويات الأخلاقية والاجتماعية والطبية والاقتصادية وغيرها.

والاستعانة بالقيادات والهيئات الدينية خلال الأزمات معروف على مستوى العالم، ولكنه بحاجة إلى مزيد من التفعيل والدعم، فقد كان لهم تفاعلاً واضحاً في أزمات عدة فنجد على سبيل المثال "مؤسسة الإغاثة الإسلامية" في ألمانيا كان لها دوراً مهماً عبر القادة الدينين في مكافحة وباء "إيبولا" الذي انتشر قبل سنوات في غرب إفريقيا.

كان للقادة الدينين حينها أثراً لا ينكر، حيث تمكن رجال الدين المسلمون والمسيحيون بمهمة جليلة لا نكون مبالغين إذا قلنا أن منظمة الأمم المتحدة وكذلك منظمة الصحة العالمية لم تكن لتستطيع أن تقوم به، حيث استطاعوا بما لديهم من علم ونصوص دينية في إقناع الناس بالتخلي أو تغيير بعض الطقوس الدينية التي كانت سبباً رئيسياً في انتشار هذا الوباء القاتل، على سبيل المثال في تغسيل الموتى الذين توفوا بهذا المرض الذي ينتقل عن طريق التلامس، وكذلك تغيير طقوس الدفن.

استطاع رجال الدين المسلمين والمسيحيين حينها أن يقنوا عبر النصوص الدينية الموجودة وفهمهم الحكيم لها أن يقنعوا أسر ضحايا الإيبولا بعد تغسيل جثث الضحايا أو لمسها عند الدفن، وأن هذا لن يسبب لهم حرجاً دينياً أو انتقاصاً من تكريم موتاهم، وكان هذا الدور سبباً محورياً وتحويلياً وملهماً في انحصار مرض "إيبولا" في غرب أفريقيا وتراجع نسب الإصابة به وانتقاله.

وقد نجح رجال الدين عبر "مؤسسة الإغاثة الإسلامية” و"الوكالة الكاثوليكية للتنمية الخارجية" (كافود) في تنفيذ العديد من المبادرات الدينية المشتركة محاصرة هذا الوباء مما يؤكد الدور المهم والرئيسي لرجال الدين من شيوخ وقساوسة ودعاة في المساهمة في إنهاء وباء "أيبولا".

 

ونحن الآن نمر بأزمة عالمية مشابهة بل أكثر خطورها كون فيروس "كورونا" أصبح وباءً عابراً للحدود من الصعب السيطرة عليه، وهو ما يتطلب دوراً فعالاً للقادة الدينين بدأت بوادره مع انتشار الأزمة عبر إصدار الفتاوى والتوجيهات الدينية التي تمنع التجمعات لغرض ديني مثلما قررت المملكة العربية السعودية وقف العمرة وإغلاق المساجد ووقف صلاة الجماعة على مستوى المملكة وتلاها عدد من الدول العربية الأخرى في محاولة لمنع انتشار المرض.

كذلك ما قررته عدد من الكنائس والمؤسسات الدينية المسيحية في مختلف دول العالم، فرأينا كيف أعلن الفاتيكان أن كافة صلوات عيد الفصح هذه السنة ستجری في ساحة القديس بطرس بدون مشاركة المصلين، وكذلك استخدام البث المباشر على الموقع الرسمي لأخبار الفاتيكان لإذاعة كافة اللقاءات العامة وصلوات التبشير التي يجريها الحبر الأعظم حتى 12 أبريل 2020.

وفي الشرق قررت الكنيسة القبطية في مصر بقيادة البابا تواضروس الثاني غلق جميع الكنائس وإيقاف الخدمات الطقسية والقداسات والأنشطة منعاً للتجمعات التي هي سبباً رئيسياً في انتشار فيروس كورونا.

يمكننا القول إن التعاون في ظل هذه الأزمة التي نمر بها الآن بين القيادات الدينية من شيوخ وقساوسة وحاخامات ورهبان هو أمر في غاية الأهمية بل إن دور رجال الدين يجب أن يبقى فاعلاً ومؤثراً في هذه المرحلة المهمة، لأن الناس تكون في أمس الحاجة للتواصل مع رموزها الدينية للانتفاع بعلومهم والعمل بوصاياهم.

ولا شك أن على القادة الدينيين مهمة لا تقل أهمية عن التوجيه والإرشاد الديني حول ما يتعلق بفيروس كورونا، ألا وهي توجيه كافة أشكال الدعم المطلوب للمراكز العلمية والبحثية التي تسعى لإيجاد علاج لهذا المرض الخطير، كون مواجهة فيروس كورونا وغيره من الأوبئة يعتمد في الأساس على البحث العلمي والطبي، فضلًا عن زيادة الوعي للوقاية من الفيروس.

هذا بالإضافة إلى ضرورة أن يقوم رجال الدين والحكمة من مختلف الأديان والمذاهب في كل المجتمعات على إبراز أهمية دعم القرارات والإجراءات المحلية والإقليمية والدولية الرامية إلى الحد من انتشار الفيروس، وأن يحثوا أتباعهم بما لهم من ثقة واحترام بين الناس على ضرورة الالتزام بجميع الإرشادات والنصائح التي تصدر عن الجهات الطبية والإدارية في دولهم، وأيضاً تعزيز التضامن الإنساني عبر مساعدة مَنْ هم بحاجة إليها، لا سيما المجموعات المهمَّشة والفقيرة مع أخذ تدابير الوقاية والتقيُّد بتعليمات الحماية الذاتية، من أجل انحصار هذه الأزمة التي أرهقت العالم أجمع.