افتتح مركز الحوار العالمي (كايسيد) منتدى الحوار العالمي في لشبونة يوم الثلاثاء 14 من مايو، الذي سيستكشف القوة التحويلية للحوار في معالجة بعض التحديات الأكثر إلحاحًا في العالم، ومنها تغير المناخ واستمرار انتهاكات حقوق الإنسان وحدوث أكبر عدد من الصراعات العنيفة منذ الحرب العالمية الثانية.
ويمثل المنتدى -الذي يستمر يومين- علامة فارقة في مهمة كايسيد المستمرة منذ عقد من الزمن لتسخير الحوار بصفته حافزًا للتغيير العالمي وبناء السلام. وقد ضم المنتدى قرابة 150 مشاركًا، ومنهم قيادات دينية رفيعة المستوى ورؤساء دول حاليُّون وسابقون وقادة الأمم المتحدة وممثلو المجتمع المدني ووفود شبابية.
وقال الدكتور زهير الحارثي، الأمين العام لمركز الحوار العالمي - كايسيد، في كلمته الافتتاحية: "في هذه الأوقات التي تتسم بالصراعات المتصاعدة والانقسامات العالمية المتفاقمة، فإن اجتماعنا هنا في لشبونة ليس مجرد اجتماع عادي، بل إنه التزام عميق بالحوار الذي يسهم في رأب الانقسامات. ولأن افتتاح منتدى كايسيد للحوار العالمي هو شهادة على تفانينا الجماعي في تعزيز السلام بالتفاهم والتعاون بين مختلف الأديان والمناطق والمجتمعات الثقافية، فإني أدعوكم إلى أن نسخر روح التعاون التي جمعتنا هنا معًا لإلهام العمل المستمر ورعاية بذور الوئام والاحترام المتبادل".
الحوار ضرورة وليس برفاهية
استمع المشاركون في الجلسة العامة الافتتاحية للمنتدى إلى الخطابات التي أكدت أن العالم يواجه تحديات تتجاوز بكثير قدرة أي دولة على إدارتها وتتخطى حدود الآليات التقليدية للتعاون الدولي وأن تحقيق جداول أعمال التنمية العالمية، مثل جدول أعمال الأمم المتحدة لعام 2030، يتطلب الإرادة السياسية والاستثمار المالي وإحداث تحول في قلوب الأفراد وعقولهم والمجتمعات في شتى أنحاء العالم.
وتحقيقًا لهذه الغاية، سيركز المنتدى -الذي يستمر يومين- على موضوعات ثلاثة: بناء مدن حاضنة للتنوع، ولا سيَّما الاستجابة لتدفق اللاجئين من الصراعات العالمية الجارية، والتصدي لتغير المناخ برعاية البيئة وحمايتها وتعزيز بناء السلام وحل النزاعات.
وسلط السيد هاينز فيشر، الرئيس النمساوي السابق، في كلمته الافتتاحية الضوء على أهمية الحوار في سياق متحول على خلفية النزاعات العنيفة الحالية، ومنها الحروب في أوكرانيا وغزة. وقال فيشر: "يكتسي الحوار في سياق متحول أهمية خاصة في وقت نشهد فيه مواقف مأساوية ومفجعة في جميع أنحاء العالم. ولهذا، ينبغي لنا أن نتحد جميعًا -سياسيين وقيادات دينية وأشخاص عاديين- في العمل من أجل السلام وحقوق الإنسان والمساواة».
وشدد السيد أوغستو سانتوس سيلفا، وزير خارجية البرتغال السابق والرئيس الخامس عشر لجمعية الجمهورية، في كلمته أيضًا على الدور الحاسم للحوار في الشؤون العالمية الحالية. وقال سيلفا: «في أوقات الاضطرابات الاجتماعية والاستقطاب السياسي والصراعات المسلحة في أجزاء كثيرة من العالم، علينا أن نبذل قصارى جهدنا لإعادة بناء الثقة وتعزيز التواصل والحوار بين مختلف المناطق والثقافات والحضارات، وينبغي أن يكون أساس هذا الحوار هو الالتزام الواضح بحقيقة أن اختلافاتنا تثري العالم، والعالم هو مسؤوليتنا المشتركة».
قمع المد المتصاعد للصراعات العنيفة
وفي أثناء انعقاد المنتدى، من المتوقع أن يشغل المد المتصاعد للتطرف والصراعات العنيفة مكانًا بارزًا في المناقشات، فضلًا عن الحاجة إلى دعم حقوق الإنسان وكرامته. وسيناقش أعضاء حلقة النقاش أيضًا الدور المهم الذي يضطلع به الحوار بين أتباع الأديان في التصدي لهذه التحديات، إذ يُنظر إلى القيادات الدينية، المعترف بها لسلطتها وللثقة بها داخل المجتمعات، على أنها شخصيات رئيسة في سد الفجوات التي تغذي مثل هذه الصراعات.
وفي الجلسة العامة الافتتاحية أيضًا، تحدث فضيلة الدكتور شوقي إبراهيم عبد الكريم علَّام، مفتي الديار المصرية، عن حتمية الحوار في المجتمع المعاصر. وقال علَّام: «إن مسؤوليتنا عن تعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات ليست مجرد التزام أخلاقي، بل إنها ضرورة ملحة لضمان وحدة نسيج المجتمع الإنساني وإنقاذ الأجيال المقبلة من الوقوع في براثن التطرف والكراهية والعنف والتعصب».
القوة التحويلية للحوار
وأشار المتكلمون كذلك إلى أن التحالفات التي تحققت بشق الأنفس والتي ترمي إلى دعم السلام تتعرض لضغوط كبيرة، إذ يكافح الشركاء العلمانيون والدينيون على حد سواء من أجل إبقاء القيادات العالمية ملتزمة بمبادئ حقوق الإنسان المتفق عليها.
واستمع المشاركون في المنتدى إلى الكلمات التي بيَّنت أن الحوار يمكن أن يخفف من حدة العديد من التهديدات للسلام الدائم، ومن ضمنها المظالم التي لم تُحل بعدُ والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، وبخاصة تلك التي تتعرض لها الأقليات. وإلى جانب التوسط في النزاعات، يساعد الحوار أيضًا المجتمعات المتضررة من انعدام الثقة والاستقطاب على مواجهة تحديات مثل تغير المناخ وانعدام الأمن الغذائي وعدم المساواة المجتمعية وإدماج اللاجئين في المجتمعات المضيفة.
إعلاء أصوات المجتمعات المهمَّشة
وسيركز المنتدى -الذي يستمر يومين- أيضًا على كيفية استخدام الحوار لتقديم وجهات نظر الفئات المهمَّشة إلى طاولة صنع السياسات، ومنها النساء والشباب.
وضمن الجلسة العامة الافتتاحية، قدمت غراسا ماتشيل، وهي سياسية إفريقية معروفة ومهتمة بالشؤون الإنسانية، مثالًا مؤثرًا لكيفية تنفيذ الحوار في سياق متحول في منطقتها وروت قصة أوضحت الدور المهم الذي اضطلع به زوجها الراحل نيلسون مانديلا في مفاوضات السلام البوروندية عام 1996 التي أنهت الحرب الأهلية المطولة. وأوضحت ماتشيل كذلك أن زوجها الراحل قد فتح المجال أمام النساء للمشاركة في عملية الوساطة، ممَّا أدى إلى نتائج مهمة منها الولايات الدستورية لتمثيل المرأة في الحكومة. وسلطت ماتشيل في ختام كلمتها الضوء على الأثر المستمر لهذه المبادرات، إذ تعمل الآلاف من النساء في بوروندي الآن وسيطات في معالجة قضايا تتراوح بين العنف المنزلي والنزاعات على الأراضي والتوترات الناشئة عن العنف السياسي.
المتوقع من المنتدى
تشمل نتائج المنتدى العالمي خطة شاملة لمعالجة قضايا السلام العالمي والتماسك الاجتماعي ووضع خطط عمل لإعطاء الأولوية للحوار من أجل التنمية الشاملة ووضع برامج مشتركة ترمي إلى تعزيز تنفيذ مبادرات الحوار حيثما تمس الحاجة إليها.
وإلى جانب ذلك، سيُطلب إلى المشاركين دعم حتمية الحوار في سياق متحول، وهو التزام أخلاقي واسع النطاق يرمي إلى تعزيز الحوار وتوسيعه بالسياسات والممارسات في جميع أنحاء العالم. وستشمل الالتزامات تنمية القدرات والمساعدة التقنية والموارد الأخرى لصقل مهارات الحوار داخل المنظمات، وستشمل مجالات التركيز التعليم وبناء السلام بقيادة المرأة وحماية البيئة.
لمعرفة المزيد عن منتدى كايسيد للحوار العالمي الجاري، تفضلوا بزيارة الرابط: https://www.kaiciidglobalforum.org/ar