- قصصنا
- قصصنا الحوارية
- في الاجتماع الأوروبي الثالث حول البُعد الإنساني في فيينا.. كايسيد يدعو إلى ترسيخ الحوار الشامل
في الاجتماع الأوروبي الثالث حول البُعد الإنساني في فيينا.. كايسيد يدعو إلى ترسيخ الحوار الشامل

لطالما اعتُبرت الدبلوماسية فنًا يقتصر على العلاقات بين الدول والعمل السياسي التقليدي، إلا أن عالم اليوم، بما يشهده من اضطرابات متزايدة، يشهد تحوّلاً في ملامح الدبلوماسية، حيث باتت تشكل تحالفات جديدة لا تقتصر على الدول، بل تشمل مؤسسات دينية وجهات تُعنى بالحوكمة والقيم.
وقد تجلّى هذا التحول بوضوح في فعالية نظمها مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار (كايسيد)، تحت عنوان: "الإيمان والمستقبل: دور الدين في بناء السلام والدبلوماسية والتماسك المجتمعي في فضاء منظمة الأمن والتعاون في أوروبا"، وذلك على هامش الاجتماع التكميلي الثالث لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا حول البُعد الإنساني في فيينا. نُظّمت الجلسة بالتعاون مع شركاء بارزين، منهم مركز الدين والقيم الإنسانية والعلاقات الدولية بجامعة دبلن، والمجلس الأوروبي للقيادات الدينية/منظمة أديان من أجل السلام في أوروبا، ومكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. وهدفت الجلسة إلى تسليط الضوء على الدور التحويلي للدبلوماسية الدينية في بناء مجتمعات شاملة.
في كلمته الافتتاحية، أكّد السفير أنطونيو دي ألميدا ريبيرو، الأمين العام المكلف لكايسيد، على النموذج المؤسسي الفريد للمركز، واصفًا إياه بأنه "نموذج عملي لتعايش الدين والدبلوماسية"، حيث يُعد المنظمة الحكومية الدولية الوحيدة التي تُدار بشراكة بين الدول والقيادات الدينية. وقال: "الأمن يبدأ بالكرامة، وهذه ليست دعوة لاستبدال الدبلوماسية بالدين، بل لإثرائها بالقيم المتجذرة في التقاليد الروحية والعلمانية على حدّ سواء".
تلعب الأطراف الدينية الفاعلة وممارسو الحوار بين أتباع الأديان دورًا ملموسًا في دعم الجهود الدبلوماسية. فمن خلال منصات يدعمها كايسيد، مثل المجلس الإسلامي اليهودي والمجلس الأوروبي للقيادات الإسلامية، تصدر القيادات الدينية بيانات مشتركة بشأن التحديات المجتمعية، وتحشد المجتمعات في أوقات الأزمات، وتقدّم النصح والتوجيه لصنّاع القرار في مواجهة معاداة السامية وكراهية المسلمين. وتُعدّ هذه المبادرات أكثر من مجرد تحركات رمزية، إذ تمثل نماذج حية للدبلوماسية الهادئة التي ترسّخ الثقة المجتمعية من القاعدة.
من الرؤية إلى الممارسة: السياق الإقليمي والمحلي
في 2 و3 يونيو 2025، شارك كايسيد، ممثلاً بأمينه العام المكلف السفير أنطونيو دي ألميدا ريبيرو، في الاجتماع التكميلي الثالث حول البُعد الإنساني لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، الذي استضافته الرئاسة الفنلندية للمنظمة بالتعاون مع مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان، تحت عنوان: "الإدماج كوسيلة لتعزيز التسامح وعدم التمييز".
ضمّ الاجتماع ممثلين عن 57 دولة عضوًا في المنظمة، إلى جانب منظمات دولية ومجتمع مدني وإعلاميين، لبحث سبل تعزيز السياسات الشاملة والحوار بين أتباع الأديان في مواجهة التمييز وتعزيز التماسك الاجتماعي في فضاء المنظمة.
وقد عكس اللقاء تزايد الاعتراف بأهمية تقاطع الدين وحقوق الإنسان والدبلوماسية في بناء مجتمعات مندمجة. وبهذا الصدد، عرض كايسيد مقاربته القائمة على الحوار كأداة للسياسات والممارسات على السواء، مجددًا التزامه بتعزيز الحوار متعدد الأطراف والتعاون الإقليمي ضمن برنامجه الأوروبي.
وفي مداخلته، شدد السفير ريبيرو على أهمية الحوار الشامل بين الأجيال والمجتمعات كوسيلة لمواجهة الكراهية والتمييز وتعزيز الكرامة الإنسانية، قائلاً:
"بصفتنا منظمات حكومية دولية، نتحمل مسؤولية ترجمة الحوار إلى سياسات فعالة، والانتقال من مجرد التعايش إلى تضامن فاعل". وأضاف: "كايسيد على استعداد تام للعمل مع شركائه في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا لبناء مرحلة جديدة من الأمن القائم على الكرامة والحوار".
كما أُعلن خلال المؤتمر عن دليل جديد للقيادات الدينية أعدّه كايسيد لمواجهة خطاب الكراهية، يوفر أدوات عملية للقادة المحليين للتأثير على المستوى الشعبي. وأوضح السفير أن كايسيد يستثمر في الأفراد والمنصات التي تحوّل التماسك الاجتماعي إلى واقع ملموس، مشيرًا إلى دور المركز كمحفّز يجمع بين القيادات الدينية وصنّاع السياسات لتعزيز الحوار في صنع القرار، سواء عبر مشاريعه ومبادراته، أو من خلال دعم شبكات مثل المجلس الإسلامي اليهودي، والمجلس الأوروبي للقيادات الإسلامية، وشبكة الحوار، وزملاء كايسيد.
من خلال برامجه الإقليمية في أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، يعمل كايسيد على تعزيز عمليات حوار شاملة ومتعددة المستويات وتشاركية. وفي فيينا، شدد السفير ريبيرو على دور المركز كميسّر للحوار، يجمع بين القيادات الدينية وصنّاع السياسات والمجتمع المدني والشباب من أجل التوصل إلى حلول مشتركة مستمدة من القيم الجامعة.
ورغم ما تتمتع به القيادات الدينية من قدرة فريدة على بناء الثقة وتعزيز التماسك المجتمعي، فإنها غالبًا ما تفتقر إلى المنصات والشراكات الكفيلة بتوسيع تأثيرها. وهنا تبرز أهمية التعاون مع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. فبصفتنا منظمات حكومية دولية، نقف أمام مسؤولية مشتركة لتحويل الحوار إلى سياسات مستدامة، ونقل المجتمعات من التعايش إلى التضامن الفاعل.
تعزيز الشراكات مع الأطراف الفاعلة
وفي سياق زيارته الرسمية، عقد السفير دي ألميدا ريبيرو لقاءات ثنائية لتعزيز العلاقات المؤسسية. ففي الوزارة الاتحادية النمساوية للشؤون الأوروبية والاندماج والشؤون الخارجية، التقى بالوزير المفوض الدكتور ألكسندر فودجا ونائب المدير ألكسندر ريغر، حيث أعاد التأكيد على دعم النمسا، الشريك المؤسس لكايسيد، مثنيًا على دورها في تعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات عالميًا. كما التقى بمسؤولين رفيعي المستوى من مكتب عمدة فيينا لشؤون العلاقات الدولية.
وعقد الأمين العام المكلف أيضًا حوارات بناءة مع عدد من أعضاء المجلس الإسلامي اليهودي في فيينا، من بينهم الإمام طرفة بغجاتي، لمناقشة المبادرات الجارية وآفاق التعاون المستقبلي.
واختتم زيارته بلقاء مع السيدة ماريا تيليان، المديرة الجديدة لمكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان، بحث فيه الجانبان سبل تعزيز الشراكة بين كايسيد والمكتب، خصوصًا في مجالات مكافحة خطاب الكراهية، وتعزيز التسامح، ودعم الحوار الشامل، مؤكدَين التزامهما المشترك بمواصلة التعاون في هذه الملفات الحيوية.
نظرة إلى المستقبل
تبرز مشاركة كايسيد في الاجتماع التكميلي الثالث حول البُعد الإنساني كدليل على ريادته المستمرة في ترسيخ الحوار في صميم السياسات. ففي ظل تصاعد الخطابات الإقصائية وتفكك النسيج المجتمعي، يواصل كايسيد نشر ثقافة الحوار بوصفها الجسر الذي يربط بين المجتمعات والمؤسسات، والدين والسياسة.
واختتم السفير ريبيرو بالقول: "كايسيد مستعد لتعميق التعاون مع كل الشركاء الراغبين في تسخير قدراتهم المؤسسية لصياغة عمليات تشاركية وشاملة"، مضيفًا: "معًا، يمكننا رسم ملامح حقبة جديدة من الأمن القائم على الكرامة، والمدعوم بالحوار".